البطالة والفقر.. بئر عميقة سقطت بداخلها 4 دول عربية بعد ثورات الربيع

في ذكراها الثالثة عشرة

البطالة والفقر.. بئر عميقة سقطت بداخلها 4 دول عربية بعد ثورات الربيع

يقف الفقر نتيجة حتمية لوجود البطالة، ويظل عاملا معطلا لتحقيق أي تنمية مستدامة أو رفاه اجتماعي في الدول العربية، لا سيما تلك التي شهدت نزاعات وحروبا وتوترات سياسية خلال السنوات الماضية.

وتواجه العديد من دول المنطقة تحديات تتطلب جُهدا مضاعفا لتوفير شبكات الأمان الاجتماعي اللازمة، خاصة مع تزايد معدلات البطالة والفقر والأمية، والتي تؤدي تباعا إلى تدهور الظروف المعيشية في ظل حالات الركود الاقتصادي. 

وتعني البطالة بمفهومها العام "عدم إيجاد عمل للباحثين عنه والقادرين عليه"، وهي عبارة عن التوقف اللاإرادي عن العمل تبعاً لفقدان الشغل، وتعاني مجتمعات أغلب الدول النامية من هذه الظاهرة، وينعكس ذلك على نمو اقتصادها فيكون بطيئاً جداً.

ويرتبط الفقر والبطالة بعلاقة طردية، فكلما زادت نسبة البطالة زادت معدلات الفقر والجوع، وما يترتب على ذلك من زيادة في معدلات ارتكاب الحوادث والجريمة في البلدان.

ورغم أن الفقر والبطالة والفساد كانت أضلع مثلث اندلاع الثورات العربية، فإن معدلاتها ظلت في ارتفاع متواصل بسبب عدة عوامل أبرزها فشل برامج خطط التنمية والعجز عن تحقيق نسب النمو بسبب الاضطرابات السياسية.

وترصد "جسور بوست" مستويات الفقر والبطالة في 4 دول عربية، وهي اليمن وسوريا وتونس ومصر، وهي الدول التي شهدت انتفاضات شعبية في عام 2011.

اليمن 

في يوليو 2023، أكدت الحكومة اليمنية، ارتفاع نسبة الفقر في البلاد، إلى 80 بالمئة وانكماش الاقتصاد بنسبة 50 بالمئة، في ظل الصراع العسكري الذي يشهده البلد العربي المأزوم.

وأدى اندلاع الحرب في اليمن منذ عام 2014 إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، ما جعل من الصعب على الحكومة توفير الخدمات الأساسية للسكان.

ويكافح اليمنيون من أجل الحصول على فرص العمل، إذ تبلغ نسبة البطالة حوالي 60 بالمئة، ما أدى إلى صعوبة توفير الغذاء والرعاية الصحية والتعليم والعديد من الخدمات الأساسية.

وبحسب التقديرات الرسمية، يواجه اليمن أزمة متفاقمة في مختلف المجالات، حيث وصلت نسبة انعدام الأمن الغذائي إلى 60 بالمئة من السكان، وهناك 80 بالمئة من السكان يحتاجون إلى مساعدات إنسانية، فضلاً عن نزوح حوالي 4.3 مليون شخص ويفتقرون إلى الخدمات الأساسية.

ويواجه البلد ارتفاعا في المديونية الخارجية وانكماش الاقتصاد بأكثر من 50 بالمئة من الناتج المحلي، فضلا عن تضرر الموانئ وتوقف تصدير النفط الذي يمثل ما نسبته 65 بالمئة من الإيرادات العامة.

صنف مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية الأزمة المستمرة في اليمن على أنها أسوأ أزمة إنسانية في العالم، وقد تسبب الصراع في اليمن في تراجع التنمية البشرية بمقدار 21 عاما.

وأدى القتال المستمر إلى تدمير اقتصاد اليمن، ما أدى إلى انعدام الأمن الغذائي الشديد، وتدمير البنية التحتية الحيوية، وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن 24.1 مليون شخص في عام 2023 تعرضوا لخطر الجوع والمرض، وأن حوالي 14 مليون شخص في حاجة ماسة إلى المساعدة.

ويفتقر حوالي 18 مليون يمني إلى مياه الشرب المأمونة وخدمات الصرف الصحي، ويحتاج 16.2 مليون شخص إلى مساعدات طارئة عاجلة بسبب انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية وتفشي الأمراض المعدية، مثل الكوليرا.

ووفق أحدث إحصائيات البنك الدولي، فقد أكثر من 40 بالمئة من الأسر في اليمن مصدر دخلهم الأساسي، وبالتالي فقدوا قدرتهم على شراء احتياجاتهم الأساسية.

سوريا 

تسبب الصراع الدائر في سوريا بخسائر فادحة في الاقتصاد، ما أدى إلى تآكل سبل العيش، وتدمير البنية التحتية وتعثّر إمكانية توفير الخدمات منذ نحو 13 عاما مضت.

وبحسب تقديرات البنك الدولي، تقلص النشاط الاقتصادي في سوريا بأكثر من الضعف بين عامي 2010 و2020، إذ قدرت الخسائر المتراكمة من الصراع بـ 324.5 مليار دولار حتى 2021، وذلك بمقارنة الناتج المحلي الإجمالي الذي كانت سوريا تحققه قبل اندلاع الحرب في عام 2011.

وتكبدت سوريا أكبر تكلفة اقتصادية ناتجة عن العنف في العالم، بقيمة تقدر بنحو 59 بالمئة من ناتجها المحلي عام 2020، إذ بلغ معدل البطالة أعلى نسبة له في عام 2015 ليصل إلى 48.4 بالمئة.

ورغم تراجع حدة النزاع المسلح واسع النطاق، لا تزال سوريا من بين البلدان الأعلى مرتبة من حيث الوفيات الناجمة عن العنف، إذ تؤثر الصدمات الداخلية والخارجية المتعددة سلباً على الاقتصاد.

وقد تدهورت ظروف الاقتصاد الكلي بشكل كبير منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية، في ظل استيراد ما يقرب من نصف الكميات المستهلكة من النفط وثلث الكميات المستهلكة من الحبوب، ما أدى ارتفاع أسعار السلع الأساسية وارتفاع مستويات التضخم في سوريا.

وتشهد الأسر السورية، تدهوراً إضافياً في وضعها المعيشي، إذ تزامن تزايد هشاشة الأسر مع زيادة في نسبة مشاركة القوى العاملة، في ظل محدودية الفرص المتاحة لكسب الدخل، والتي تشمل النساء والشباب والمسنين.

وهناك ما يقارب 15.3 مليون شخص سوري بحاجة إلى مساعدة إنسانية في عام 2023، في ثاني أسوأ أزمة إنسانية في العالم بعد اليمن، حيث لا تستطيع 85 بالمئة من الأسر تلبية احتياجاتها الأساسية، ويفتقر أكثر من نصف السكان إلى مصدر ثابت للمياه، ويواجه أكثر من 55 بالمئة من السكان (12 مليون شخص) نقصاً في الغذاء.

ووفق مسؤول الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة، فإن الصراع في سوريا دفع 90 بالمئة من سكانها إلى ما دون خط الفقر، مقارنة بـ 28 بالمئة في عام 2010.

ويشكل اللاجئون السوريون حوالي ربع إجمالي عدد اللاجئين على الصعيد العالمي، حيث نزح أكثر من 12 مليون شخص رسميًا -أي نصف سكان سوريا عام 2011- بمن في ذلك أكثر من 6.7 مليون نازح داخلي و6.5 مليون لاجئ، وفقًا لأحدث بيانات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عام 2022.

تونس 

وعقب 13 عاما على اندلاع ثورة الياسمين، والتي لقبت بـ"أنجح الثورات العربية"، تتجرع تونس مرارة الفقر والبطالة والاضطرابات السياسية.

وفي يوليو 2021، اتخذ الرئيس التونسي قيس سعيد إجراءات استثنائية، من بينها حل مجلسي القضاء والنواب وإصدار تشريعات بأوامر رئاسية وإقالة الحكومة وإقرار دستور جديد، ما أدى إلى توترات سياسية واسعة.

ومؤخرا، كشف وزير الشؤون الاجتماعية التونسي مالك الزاهي أن عدد التونسيين تحت خط الفقر تجاوز الملايين الأربعة (من إجمالي تعداد السكان البالغ حوالي 12 مليونا).

وتعيش تونس أزمة مالية ممتدة منذ سنوات، كما أنها على حافة الوقوع في أزمة ديون كبيرة وتعاني من نقص في السلع الأساسية، كما تشهد تأخيرات في المفاوضات للحصول على قرض جديد من صندوق النقد الدولي.

وفاقت نسبة البطالة في البلد العربي 20 بالمئة، بينهم 70 بالمئة من حاملي الشهادات الجامعية، كما بلغ عدد الأميين حوالي مليونين، إذ تم تسجيل مليون أمي خلال السنوات العشر الأخيرة وحدها. 

وخفضت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني، تصنيف تونس الائتماني، ما يعكس عدم اليقين بشأن قدرة البلاد على جمع تمويلات كافية لتلبية احتياجاتها الماليّة الكبيرة.

وذكرت الوكالة بأن ميزانية الحكومة تعتمد على تمويلات خارجية تزيد على 5 مليارات دولار لن يُفرَج عنها في غياب اتفاق مع صندوق النقد الدولي.

مصر

بلغ معدل الفقر في مصر حوالي 32.5 بالمئة في عام 2022، أي ما يعادل نحو 35 مليون مصري (من إجمالي حوالي 105 ملايين نسمة)، وفق أحدث تقرير للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (رسمي).

وتوقعت دراسة مستقلة أجراها الجهاز المركزي، ارتفاع مستوى الفقر في عام 2022-2023 إلى 35.7 بالمئة، مع ارتفاع خط الفقر إلى 1478 جنيهًا شهريًا، وارتفاع خط الفقر المدقع إلى 1069 جنيهًا شهريًا.

ورغم تراجع معدل البطالة في مصر إلى 7 بالمئة خلال الربع الثاني من عام 2023 بانخفاض 0.1 بالمئة عن الربع السابق عليه، وفق إحصاءات رسمية، لكن البلاد تواجه شحا في الدولار، أجبر الكثير من المصانع التي تستورد خاماتها من الخارج، على خفض إنتاجها مع توقف بعض خطوط الإنتاج، ما يلقي بظلاله على إمكانية توفير فرص عمل جديدة.

وتشهد مصر أزمة اقتصادية عالية المستوى، تتمثل أبرز مظاهرها في ارتفاع معدل التضخم وغلاء الأسعار بشكل كبير وشح السيولة الدولارية وزيادة معدلات الاقتراض.

وعزا مراقبون وخبراء اقتصاد أسباب زيادة معدلات الفقر والبطالة في مصر إلى النمو السكاني السريع والذي يعوق قدرة الحكومة على توفير فرص عمل وتحسين مستوى المعيشة للسكان، إضافة إلى قلة فرص العمل والتوزيع غير العادل للثروة والفرص الاقتصادية.

ويعتبر انخفاض الأجور وعدم توفر أجور كافية لتوفير الاحتياجات الأساسية للحياة، بالتوازي مع الارتفاع غير المسبوق في الأسعار، من الأسباب الرئيسية لزيادة الأعباء المالية على الأسر الفقيرة والمناطق والقرى النائية في البلاد.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية